التطور التاريخي لمدينه وزان(مقال)

التطور التاريخي لمدينه وزان

خالد غاوش

_ الموقع


تقع وزان بشمال المغرب، على بعد حوالي 70 كلم من المحيط، و 130 كلم من البحر الأبيض المتوسط ، في ما يعرف بمنطقة جبالة الواقعة في مقدمة جبال الريف ضمن منطقة الغرب وإلى الشمال منها. وتبعد عن فاس بنحو 150 كلم وعن القنيطرة بحوالي 126 كلم، وعن شفشاون بنحو 76 كلم، وعن قاعدة بني مسارة بحوالي40 كلم ، كما يظهر في الخريطة التالية .
الموضع
تحتل مدينة وزان موضعاً متميزاً بين السهل والجبل، في الجهتين الشمالية والشرقية من سفح جبل بو هلال، وترتفع عن سطح البحر بنحو 325م، وتحيط بها قبائل مصمودة ورهونة وبني مسارة وغزاوة والغرب، وتجاورها معظم قبائل الريف الغربية. مثل هذا الموضع بهذه المواصفات حلقة وصل بين الشمال والجنوب، ومحاذي لطريق المخزن الذي كان يربط بين فاس العاصمة آنذاك وطنجة .
يتضح لنا مما سبق أن مدينة وزان تقع في مقدمة جبال الريف، فيما كان يعرف ببلاد جبالة، على سفح جبل أبي هلال، الذي يعرف في المصادر بجبل الريحان. وكان الموقع عبارة عن غابة كثيفة تكتنف قرية شهيرة، تتموضع في منطقة التقاء السهل مع الجبل، تحيط بها ينابيع غزيرة المياه، لذلك نمت حولها غابات كثيفة من أشجار الزيتون والتين، ويحتل الاستثمار الشجري، تبعا لذلك، مكانة مرموقة في الكيان الاقتصادي للمنطقة، وبالتالي تعتبر المدينة سوقا زراعية كبيرة، كما تقوم بها بعض الصناعات التقليدية، كما في الخريطة التالية .
وقد استفادت وزان في الماضي من موقعها القريب من حدود المنطقة الشمالية، والمحاذي لجبل العلم، وعلى الطريق المخزني، ويشرف على سهل الغرب، حيث كانت تلعب دورا تجاريا كمحطة توقف قبل عبور هذه الحدود.

_ التسمية والتأسيس

التسمية: كانت وزان عبارة عن قرية لم تكتسب صفة مدينة إلا بعد تأسيس الزاوية. فما هو مدلول تسمية المدينة بهذا الاسم؟
يعتقد البعض أن للاسم مدلولاً اقتصادياً، تقول الرواية التي أوردها عبد السلام البكاري نقلا عن مخطوطة في ملك التهامي الجوهري المساري إن المكان الذي توجد به وزان حاليا كان في السابق عبارة عن سوق عمومية في وسط قبائل رهونة ومصمودة وبني مسارة والغرب، وكان يوجد رجل يدعى محمدا في ذلك السوق عنده ميزان كبير يزن به الصوف للناس، وتعارف الناس عليه باسم محمد الوزان، لأن الميزان لا يوجد إلا عنده، ولهذا لقب الرجل بالوزان، فأصبح هذا اللقب يطلق على السوق " سوق وزان" ، وعندما تأسست المدينة في مكان السوق سميت بهذا الاسم. وهناك رواية تصحيحية لما أوردته الراوية السابقة مفادها أن الرجل مالك الميزان كان يسمى عبد السلام، وأن السوق الوزاني كان موجودا من قبل في الحي المسمى الرمل .
وهناك رواية أخرى ذات بعد جغرافي تفيد أن التسمية مشتقة من تسمية وادي زاز الذي يمر بالقرب من موقع المدينة ، والذي يعد من الروافد المهمة لوادي اللكوس، وكان في السابق يسمى وادي الزين، نظرا لجمال الطبيعة المحيطة به، ومع تداول التسمية تحولت إلى لفظ وزان. غير أن هناك مصادر أقدم تشير إلى أن ذلك الوادي كان يعرف باسم وادي جاز، أي وادي الاجتياز، فنسبت إليه المنطقة التي يمر فيها، وما لبثت التسمية مع التداول أن تخلت من حرفي الدال والهاء، وتحول الجيم إلى زاي، والزاي إلى نون، لتصبح لفظة جاز "وزان".
وأضفت الحركة الصوفية على التسمية معنىً خاصاً له سمة روحية، ففسروا الحروف التي تكون اسم المدينة كما يلي:
الواو: يعني ورعا.
الزاي يعني زهدا.
الألف يعني إيمانا.
النون يعني نورا.
وهناك تفسير آخر يربط التسمية بشجرة الزان .
التأسيس: يرتبط تأسيس وزان بتأسيس الزاوية ومؤسسها، فالمعروف أن إشعاع الطريقة الصوفية الشاذلية الجزولية كانت وراء تأسيس مدينة وزان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ذلك أنه قبل تأسيس المدينة والتي لم تكن سوى مدشر بسيط، حيث كانت الحاضرة الأساسية في المنطقة هي مدينة أزجن، غير أن إشعاع الزاوية حول الاهتمام عنها إلى المدينة الناشئة، فكيف كان ذلك؟ ومن هو مؤسس الزاوية الوزانية؟ ومتى أسسها؟ أو بمعنى أصح متى أسس مدينة وزان؟
يرجع تأسيس الزاوية وبالتالي مدينة وزان إلى القرن السابع عشر الميلادي، ما بين 1021هـ/1613م و 1036هـ/1627م، وتنسب إلى الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن الشريف الإبراهيمي اليملاحي العلمي الحسني، دفين وزان , وجد الشرفاء الوزانيين، أحد أحفاد ملاح بن مشيش أخ عبد السلام بن مشيش العلمي . ولد هذا الشيخ سنة 1005هـ/1597م ، في قرية تاصروت، إحدى قرى جبل العلم، بينها وبينه قدر ثلث مرحلة، حفظ القرآن الكريم بفاس، وكان ميالا للتصوف، حيث استقبله بفاس القادري، واستضافه عنده مدة ثلاث أيام، واستمر في تلقي العلم هناك حتى قامت الفتنة بين الأندلسيين واللمطيين، فخرج عبد الله الشريف من فاس فارا من الفتنة وعاد إلى مسقط رأسه بتاصروت، بعد أن قضى بفاس ست سنوات، وبدأ حياة الزهد، فانتقل إلى قبيلة بني عروس، ثم جاب بلاد المغرب سائحا ومتأملا وباحثا، عاد بعدها إلى جبل صرصر من قبيلة مصمودة ببلاد الهبط، غير بعيد عن موطنه الأصلي بقبيلة بني عروس، حيث وجد هناك الشيخ الصرصري الذي قربه إليه، وهناك بدأ يفكر في تأسيس الزاوية بمدينة وزان .
مما سبق نلاحظ تأثر مولاي عبد الله الشريف بمدينة فاس والعلوم الموجودة بها وبالعلماء ومشايخ الطرق، وكذلك بالمظاهر العمرانية وعلى الأخص المساجد وفي مقدمتها مسجد القرويين، وغير ذلك من المعالم الحضارية التي يراها لأول مرة بعد أن ترك قريته الفقيرة، فضلا عن ذلك جاب المغرب قرابة أربعين يوما رأى خلالها العديد من المعالم وشيوخ الطرق، كل ذلك أثر ولاشك تأثيرا إيجابيا في بناء الزاوية بتلك الفخامة والثراء العمراني والزخرفي، كما ساعده في ذلك ماتركته له والدته من ثروة، بعد أن قسمها بين الورثة وأخذ حصته منها، ونضيف إلى كل ذلك تشجيع شيخ جبل صرصر له، وهذا ما يفسر ذلك الظهور الملفت للنظر بوزان.
وفيما يلي سنورد وصفا لشجرة شيوخ الزاوية الوزانية منذ عهد المؤسس وحتى آخر مشايخها، خلال الفترة من النصف الثاني من القرن السابع عشر إلى بداية القرن العشرين، وتحديدا منذ وفاة مؤسس الزاوية مولاي عبد الله الشريف سنة 1088هـ/1678م وحتى الشيخ التاسع والأخير العربي المتوفى سنة 1326هـ/1909م .

_ التطور الحضري لمدينة وزان

يرجع التطور الحضري والوجود البشري لمدينة وزان قبل تأسيس الزاوية لأزمنة قديمة. كان هذا التواجد البشري مجرد قرية أو (مدشر) مرتبط بجبل بوهلال ومن المحتمل أن هذه التسمية للمنطقة هي المسماة حالياً بني مرين.
تأسست الزاوية الوزانية في القرن السابع عشر الميلادي مع استقرار مؤسسها المولى عبد الله الشريف وأتباعه , ثم ما لبث أن بنى مركز الزاوية الوزانية ومساكن الشرفاء المجاورة لها بالإضافة لبناء (دار السقاف) .
اتسعت القرية بعد ذلك وظهرت أحياء جديدة (بني منصور وباب الفتح)، ثم بني الجامع الكبير من طرف المولى عبد الله الشريف إضافةً إلى المقابر والسويقة التي تعتبر بمثابة مركز تجاري وعهد الشيخ محمد علي استقراراً مهماً للجالية اليهودية لإنعاش التجارة والحرف اليدوية, وتم بناء حي خاص بهم لا يزال إلى آلان يسمى بحي الملاح، وفي بداية القرن التاسع عشر تم تحويل المركز الإداري (مقر السلطة) من داجزين إلى وزان وتم تأسيس بعض المرافق المهمة كالمحكمة والسجن . ومن المهم ذكر أهم ما كان يميز مدينة وزان عن باقي مدن المغرب وهو غياب السور الذي جرت العادة أن يكون موجوداً في المدن كحاجز يفصل بين المنطقة الحضرية والمجال القروي بالإضافة إلى الأهمية البالغة للسور والذي يعتبر عنصراً أساسياً في البنية الدفاعية للمدن. يرجع غياب السور في مدينة وزان إلى وجود وتمركز مدينة وزان في قمة الجبل وهو ما شكل في حد ذاته عنصراً دفاعياً طبيعياً ألغى وظيفة السور, بالإضافة إلى غياب أي مشاكل واضطرابات مع المجال المحيط بالمدينة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نموذج إمتحان ولوج سلك الماستر مسلك التاريخ و الحضارة , " ماستر تاريخ المغارب و العالم المتوسطي " :